رسوم الأطفال : الأهمية الفنية والتربوية
يبدأ
الأطفال في سن مبكرة ممارسة نوع من
النشاط العفوي وذلك من بين عدة أنماط
سلوكية ، وأنشطة أخرى متنوعة . ويندرج هذا النشاط تحت مسمى التعبير الفني ، وهو يشتمل
على التعبير الفني المسطح المتمثل ـ على نحو أبرز ـ بالرسم ، إلى جانب التعبير الفني
ذات الثلاثة أبعاد ( التشكيل المجسم). وتكمن وراء هذا النوع من السلوك، أو النشاط
الفني ـ لدى الأطفال ـ أسباب ، أو دوافع عدة من بينها : الميل الشديد إلى اللعب ،
و حب الاستطلاع ، أو الاستكشاف، و تقليد الكبار ، والحاجة إلى التعبير عن الذات
، إضافة إلى دوافع أخرى مثل " التنفيس ،... ، تأكيـد الـذات والإحسـاس
بالقـدرة على تغـيير البيئـة الخارجيـة ،... ، اللـذة والاستمتاع ،...، ووجود بعض
المثيرات ، أو المنبهات الخارجية في البيئة ، والتي تثير في الطفل الإحساس الجمالي
، والفني ، وتساعده على تنشيط دوافعه نحو التعبير الفني " (حسن ، 1999: 65 ـ
70 ) .
وقد استرعت ظاهرة التعبير الفني لدى
الأطفال ـ وعلى نحو أخص رسوم الأطفال ـ
انتباه عدد من العلماء ، و الباحثين الذين انخرطوا في رصد
الظاهرة ـ هذه ـ وتعقبها ، ومتابعتها
بالفحص، والدراسة ، والتأمل . فوضعوا لها أطراَ ، ونظريات عدّة تتناول تحليل
رسوم الأطفال ، وتفسيراتها ، والبحث
في دوافعها ، ومسبباتها ، ومتابعة
فصول تطورها خلال مراحل سني الطفولة ، والمراهقة . فضلاً عن توظيف هذه الرسوم في التعرف على بعض
من نواحي شخصية الطفل ، كتحديد مستوى الذكاء ، والتعرف على القدرات والاستعدادات
الإبداعية ، والكشف عن الحالة النفسية والاجتماعية للطفل ، وتوظيف هذه الرسوم ـ أيضاَ ـ في العلاج النفسي ، إلى غير ذلك . ويعد فرانزتشزك F.Cizek) ) أول من دعا إلى
النظر إلى رسوم الأطفال " كفن مستقل له خصائصه ، ومقوماته الجمالية ، ومظاهره
الإبداعية " (القريطي،2001 :51) . وأعاد فرانزتشزك F.Cizek) ) الاعتبار لرسوم الأطفال بصفتها تحمل قيماَ فنية ، وتعبيرية عالية ، ولكونها
ذات خصائص وأساليب تمثل حالة الطفولة البريئة والتلقائية ، وأن هذه الخصائص أوالأساليب
ليست ـ كما هو مشاع ـ أخطاء يلزم تصحيحها
.
وتعتبر رسوم الأطفال وسيلة اتصال "
فهي بمثابة رسائل موجهة للآخرين، ووعاء للفكر والمشاعر، شأنها في ذلك شأن
الكلمات ،لاسيما أن اللغة اللفظية ـ بالنسبة
للطفل ـ غالباَ ما تقصر عن تحقيق أغراضه التعبيرية ، إما لعدم كفايتها أو لانتفاء
وجودها أساساَ لدى بعض الأطفال غير العاديين " (القريطي،2001 :5) ، إضافة إلى
كون هذه الرسوم تمثل " انعكاساَ لشخصية الطفل في سوائها وانحرافها ، وفي
حالاتها الشعورية واللاشعورية ، ومن ثم فهي مفتاح لفهمها ، والكشف عن أغوارها
وتقويمها وتوجيهها " (القريطي،2001 :5) .
وأصبحت
رسوم الأطفال تشكل مدخلاَ هاماَ للتعرف على شخصياتهم، وتتبع الطريق الأصوب في
تربيتهم ، وتنمية قدراتهم المختلفة " حيث تتيح الرسوم للأطفال فرصة التعبير
عن خصائصهم النفسية ، سواء ما يتعلق منها بالقدرات ، أو السمات، أوالميول، أو
القيم ، والاتجاهات " ( محمد ، 1420 : 16) ، مما يتطلب من القيمين على
العملية التربوية إدراكاً خاصاً بماهية رسوم الأطفال ، ووعياً متقدما بأهميتها
التربوية ، وبمكانتها الإبداعية ، سواء بصفة البعض منهم الأسرية : كآباء ، وأمهات
، و أقارب ، أو بصفة البعض الآخر الوظيفية كمشاركين في العملية التربوية في رياض الأطفال والمدارس ، و المؤسسات التربوية
الأخرى . ومن أجل أن يمارس أي مربي دوره
بنجاح ، فمن الضروري أن يكون على دراية شاملة بالسمات المميزة لشخصية الطفل من حيث الميول ، والاستعدادات
والقدرات ، ونواحي السلوك المختلفة ، والدوافع التي تكمن وراءها. هذا إلى جانب
الثقافة المتعلقة بالرسوم التي يبدعها الطفل كسلوك فطري تلقائي ، و الخصائص التي
تميزها عن رسوم الكبار ، ومدى أهميتها في تربية الطفل وتنمية شخصيته من مختلف
الجوانب ، وبخاصة في عصرنا الحاضر الذي تشكل فيه التربية عن طريق الفن الأسلوب الأكثر انسجاماَ مع طبيعة الطفل ، و مع
طبيعة التربية ذاتها ، والأسلوب الأكثر ملاءمة
لتحقيق أهدافها.
وبالرغم
من القيمة الجمالية، والطاقة التعبيرية العالية ، التي تميز رسوم الأطفال إلاّ أن
هذه الرسوم لا تقابل ـ أحياناً ـ بما يليق
من تقدير، وأن ما يجري على أرض الواقع قد لا يعبر ـ في كثير من الحالات ـ عن الموقف الواعي والمتفهم
لتلك الرسوم وما تنطوي عليها من قيم إبداعية ، و جمالية ، وأبعاد نفسية وتربوية
متعددة . و ذلك حين تقابل تلك الرسوم إماّ بالإهمال ، وعدم الاهتمام من قبل أولئك
الذين لا يعون دور التعبير الفني وأهميته في تربية الطفل . أو حين تقابل رسوم
الأطفال باهتمام سلبي قاصر من قبل أولئك الذين ينظرون للتعبير الفني باعتباره
تسجيلاً للواقع ينبغي ـ بحسب النظرة المحدودة هذه ـ أن يكون حرفياً، وليس بوصفه
تعبيراً، فتأتي تدخلاتهم بمردود عكسي أكثر ضرراً من الإهمال ذاته، أو من عدم الاهتمام
. ويحدث هذا عندما يحاول هؤلاء إرغام الأطفال على التخلي عن أساليبهم الفنية
التعبيرية الخاصة بهم، و والتحوّل تارة إلى النقل من الواقع أو تقليد الطبيعة،
وتارة أخرى إلى تقليد رسوم الكبار وأساليبهم. مما يعني الحكم على طاقات الأطفال
التعبيرية واستعداداتهم الفنية والإبداعية بالوأد وهي لا تزال ـ بعد ـ في المهد،
أو الحكم عليها بالخمول و بالجمود على أقل تقدير.
راضي بن صـــالح الطـــويل
المراجع
:
ـ الطويل ،
راضي صالح (1426): مــدى تحـقـــق خصائــص مرحلـة المـدرك الشكلــي
في رسـوم تلاميـذ وتلميـذات الصفين الثاني والثالـث الابتدائيين في الأحســاء ، بحث ماجستير ،
كلية التربية ، جامعة الملك سعود .
ـ حسن ، مصطفى محمد
عبد العزيز (1999م) : سيكولوجية التعبير الفني ، مكتبة الأنجلومصرية ، القاهرة.
ـ القريطي ، عبد
المطلب (2001م) : مدخل إلى سيكولوجية رسوم الأطفال ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
ـ محمد ، يوسف عبد
الفتاح (1420هـ) : بعض الدلالات الإكلينيكية لرسوم عينة من الأطفال المعاقين
سمعياَ والأطفال العاديين في الإمارات ، رسالة الخليج العربي،المجلد (20) ، العدد
(74) ، ص ص13- 55 ، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض .
ملاحظة :
ـ رسوم الأطفال مقدمة من الأخ جعفر الطويل معلم التربية الفنية في مدرسة الشهارين الابتدائية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق