بريــــد مريـــم .. ، و رســائل
صـديقتهــا !!
أقامت الفنــانة مريـم الجمعة معرضها الشخصي الأول ،
والذي حمل عنــوان: ( بريــد ) في
قاعة شدا للفنون في مدينة الرياض ، وتم
افتتاحه في 16/4/2005م .
واحتوى المعرض على خمسين
عملاً جســّدت جميعها مشروع الفكرة الواحـدة . وقد تمحورت تلك الفكرة حول مشكلة
فـَـقـْد إحدى صديقات الفنـانة لجميع رسائلهـا ، وكانت الرسائل تلك تمثل الكثير
بالنسبة لصديقة مريم ، الأمر الذي عانت
منه هذه الصديقة كثيراً. وشاركتها صاحبتها
الفنانة مريم في معايشة تلك معاناة ، لتبدع بالتالي الخمسين عملاً الذين شملهم المعرض، وتحت عنوان
واحد : بريد.. !!، لذلك جاء تركيز
مريم في لوحاتها الخمسين على عنصرين إثنين : وجه الصديقة، والظرف
البريـدي، ولم تشأ توظيف أية عناصر أخرى
كي توجه انتباه المتلقي ، واهتمامه إلى هذين العنصرين جوهر المشكلة ، فلا
ينشغل بغيرهما. فضمنت كل لوحة من هذه الأعمال بوجه صديقتها المشحون بشتى المشاعر،
والعوطف ، والانفعالات، والتقلبات النفسية : إحساس بالغضب، بالحزن، بالضياع ، بالغربة ، بالوحشة، بالخوف ، بالأمل
، بالرجاء .. ، إلى غير ذلك من
أحاسيس إنسانية مختلفة ...، شخص واحد ..، وجه واحد ، ومشاعر متعددة، ومتنوعـة، ولا
يكاد يشارك الوجه في مأساتـه ، أو أزمته النفسيـة وفي نفس الوقت أجوائـه الفنية
سوى الظرف البريدي التائه، وربما الحزين هو الآخر .
طارت الفنانة مريم كما النحلـة ، وحلّقت في أجــواء أكثر
من مدرسة فنية، وبخاصة تلك المدارس الأكثر إثرة ، أوحميمية لديها، والأكثر تماهياً
مع إسلوبها الفنيً ، وهي تحديداً ، وعلى النحو الذي توحي به تجاربها في هذا المعرض
: الما بعد تأثيرية ، الفوفية ، التعبيرية، مروراً ببعض الاتجاهات الفنية المعاصرة
لتصل بالتالي إلى محطتها الحالية بعنفوان ألوانها الصريحة ، والصاخبة ، ورزانة
خطوطها القوية ، وتحضيراتها المسبقة للأسطح ، وزخات انفعالاتها الشديدة والهادرة،
إضافة إلى نكهة ملامحها الفنيـة الخاصة ، وطابعها المميز المنسجم مع فلسفتها
الشخصية، و رؤاها تجاه الفن، والحياة .
وقد جاء المعرض محمّلاً بالكثير من الدلالات على تميزّ
هذه الفنانة : تكامل الذات المبدعة المتمثل في مستوى النضج الفني والفكري في آن
معاً ..، الأفق الواسع ..، الخيال اللامحدود..، الخبرات التي تنم عن تجارب عميقة ،
إضافة إلى ما يمكن أن نصطلح على تسميته ـ
إن صح التعبير ـ بالتـآزر الفكري الحركي (1) ، الأمر الذي يمكنها من تجسيد
أفكارها كما تتخيل ، وكما تريد بتلقائية ملفتـة ، وبساطة تندرج في إطار السهل
الممتنع. ويمكن
للمتلقي ملاحظة ذلك من خلال تكويناتها
الجميلة والمتنوعة ، والمشحونة بطاقات تعبيرية كبيرة ، إضافة إلى معالجاتها الثرية
، والمدروسة بعناية للقيم الشكلية، واللونية ، والسطحية . وقد ساعدها في ذلك
دراستها الأكاديمية الجادّة، فضلاََ عن اجتهادها، وقبل ذلك كلِّه قدراتها
الإبداعية الفائقـة ، وما يكتنف شخصيتها من عزم وإرادة صلبين . ولا ننسى هنا أسرة
الفنانة ليس بدورها كحاضنة للفرد المبدع المتمثل في شخص الفنانة مريم ولكن كمنطلق أوّل لتنمية استعداداته ، ورعاية
مواهبه . هذا ولا يزال الطريق يمتد طويلاً أمام فنانة تحمل في جعبتها الكثيرمن
الإبداعات ، وتعد بالكثير من العطاءات في مشوار الفن الجميل .
تــوّج معرض فنانتنا
مشواراً فنّياً مليئاً بالعطاء على مدى أعوام دراستها الجامعية، ومشاركاتها
في معارض قسم التربية الفنية (كلية التربية ـ جامعة الملك سعود) الذي تخرجت منه بتقدير
ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى ( في العام 2005م
). إضافة إلى مشاركاتها الأخرى المتعددة على مستوى معارض المؤسسة العامة لرعاية
الشباب وغيرها ، حيث نالت فيها العديد من الجوائز وشهادات التقدير.
و بعد ما يزيد على
العام بقليل أعقبت الفنانة معرضها الأول ـ سالف الذكر ـ بمعرض ثانٍ في مدينة دمشق
، وذلك في صيف 2006م . وقد شكـّل معرض دمشق ، مع معرض الرياض الجسر الذي عبرته
مريم لتقيم معرضها الشخصي الثالث في مسقط رأسها في محافظة الأحساء ، حيث تولى
تنظيمه قسم الفنون التشكيلية في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون
بالأحساء. هذا ولم يكن يفصل بين إقامة المعرضين الأخيرين سوى أسابيع محـدودة .
بقي أن نذكر هنا
أن الفنانة أقامت معرضها الشخصي الأول ( بريد ) على نفقة والدها المهندس
محمد الجمعه، ولم تتلقى آنذاك أي دعم سواء من المؤسسات الرسمية ، أو غير
الرسمية ، فيما عدا مركز الغانم للمفروشات
الذي تكفـَّـل مشكوراً بتحمل نفقات طباعة الكتيِّب الخاص بالمعرض . ونظراً لكون المعرض ذاك قد مثـّل باكورة معارضها ، فلا نلومها إذاً
إن لم يتيسر لها تنظيم فعاليات أخرى مصاحبة للمعرض ، وهي الفتاة الخريجة
آنذاك حديثاً ، والمقيمة مع أسرتها في
الأحساء بعيداً عن الرياض ، وعن صالة شدا للفنون حيث انتظم عِقدُ لوحات معرض بريد .
راضي بن صالح
الطويل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
ليس المقصود ـ هنا ـ التآزر الحس حركي، فالذي يبدو لنا أن فنانتنا قد تعدت ذلك منذ أن
كانت تواصل تعليمها الأساسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق